علي مطر نقلا عن الخبر بريس
هل حسب أحد حساب الحرب الكبرى؟ سؤال يمكن طرحه ووضعه تحت بساط البحث والتحليل، في سياق الأزمة السورية كونها أزمة إقليمية ودولية، ففي لعبة الأمم ونظرية العلاقات الدولية لا يمكن أبداً إستبعاد حصول الحرب، كون الحرب هي أداة للدبلوماسية في السياسة الخارجية. فالسياسة الخارجية لبلد هي مجموعة الأهداف السياسية التي تحدد كيفية تواصل هذا البلد مع البلدان الأخرى في العالم. فالدولة تسعى عبر سياساتها الخارجية إلى حماية مصالحها الوطنية وأمنها الداخلي وأهدافها الفكرية وازدهارها الاقتصادي، وقد يتحقق هذا الهدف عبر التعاون السلمي مع الأمم الأخرى أو عبر الحرب والعدوان. وشهدت السياسة الخارجية أهمية كبيرة مع بداية القرن العشرين، لتأخذ في قرننا هذا اسالبيب متعددة، عسكرية وسياسية وتكنولوجية واقتصادية، وأصبحت كل دول العالم اليوم تعتمد التواصل والتفاعل مع أية دولة أخرى بواسطة صيغة دبلوماسية ما.
واليوم على الرغم من تعدد المدارس والنظريات في العلاقات الدولية، فإن الكثير من الدول تتبع المدرسة الواقعية، التي لا تؤمن بإمكانية إدارة السياسة الخارجية للدولة عبر مبادئ مثالية عالمية بل تتبنى موقفاً يُعنى بالمصالح الخاصة للدولة بالدرجة الأولى، والسياسة الخارجية الواقعية ترتبط عادة باستخدام القوة، فالحروب من وجهة النظر الواقعية قد تكون طبيعية لا بل مطلوبة لحماية المصالح الخاصة للدولة التي تتبنى السياسة الواقعية، والعامل الحاسم المستخدم في اللعبة الدولية هنا، هو القوة العسكرية والإقتصادية.
والسؤال الذي طرحناه اعلاه، ليس من السهولة بمكان الإيجابة عليه، فهو بحاجة إلى بحث وتعمق، كون الأزمة الحاصلة اليوم في المنطقة بشكل عام، وبسورية على وجه التحديد، هي أزمة معقدة، تحتاج إلى تفكيك وتحليل من أجل دراسة مسبباتها وتوقع نتائجها، كون ما يحصل اليوم في المنطقة العربية ليس من المنطق التغاضي عنه، لأن عواقبه قد تؤدي إلى حرب وشيكة وطاحنة يقع ضحيتها ماليين البشر.
الخطير في الأمر، هو أن لا تكون الأطراف المتنازعة، وأطراف الحل والعقد في الأزمة السورية على وجه التحديد ـ كونها الأزمة الأخطر حتى الان نظراً لتعقدها وتعدد أطرافها ـ قد حسبوا حساب حصول أي حرب، ودراسة نتائجها والعواقب التي قد تنتج عنها في حالة حصولها، لأن ذلك قد يجلعنا نصل إلى مكان خطير جداً، يبدأ بالحرب ولا ينتهي إلا بإشباع غرائز الدول في حصد الغنائم وتحقيق المصالح، وكسب لعبة الأممة التي قد تؤدي إلى ولادة ليس شرق أوسط جديد كما يحلم البعض إنما قد تؤدي إلى نظام عالمي جديد، نأمل أن ينتصر به الخير على الشر ويصب في مصلحة النهج المقاوم.
إن تعقد الأزمة السورية، لا ينطلق من مجرد أن سورية هي دولة عربية مقاومة، قد يؤدي التخلص منها إلى شرق أوسط أميركي رسمته كوندليزا رايس، إنما تعقد الأزمة يأتي بفضل أمور عديدة مضافة إلى كون سورية دولة مقاومة عربية قوية، هذه الأمور يمكن للباحث أن يفصلها كالتالي:
اولاً: سورية دولة مقاومة عربية قوية لها وزنها في المنطقة.
ثانياً: أهمية سورية الإستراتجية والجيوسياسية.
ثالثاً: الحدود السورية المعقدة التي تصلها بتركيا والعراق والأردن ولبنان وفلسطين المحتلة حيث أننا نادراً ما نرى دولة لها حدود شاسعة بهذا الشكل.
رابعاً: التهديد التي تشكله سورية للعدو الصهيوني.
خامساً: تعدد الأطراف الداخلة في الأزمة السورية سواء الصديق لسورية (روسيا ـ الصين ـ ايران وغيرها من الدول) في مقابل أعداء سورية (الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب وبعض العرب).
سادساً: تشكل الأحلاف وإنقسام العالم إلى معسكرين متقابلين سياسياً وعسكرياً.
سابعاً: سعي كل طرف في الأزمة إلى تحقيق مصالحه.
ثامناً: ثبات الجيش العربي السوري وعدم تفككه على غرار ما حصل بالجيش العراقي.
تاسعاً: وجود أعداد كبيرة من الإرهابيين الذين دخلوا ومازالوا عبر الحدود مع سورية مدعومين من قبل الدول المعادية لسورية، والمناوشات والتهديدات التي تحصل بين سورية وبعض الدول، وعرض العضلات العسكرية.
عاشراً: إلتفاف الشعب السوري حول القيادة السورية والحفاظ على مؤسسات الدولة.
إن عقدة الأزمة لا تنتهي هنا، بل تبدأ من هذه العوامل، لأن هذه العوامل أساسية في تحليل كل أزمة دولية أو إقليمية يمكن أن تحصل، للوصول إلى معرفة نتائجها، التي يمكن أن تكون أكثر تعقيداً من الأسباب، لأنه من المحتمل أن تمحي معالم دول لتأتي أخرى، ويمكن أن تؤدي بدول إلى الهاوية في مقابل صعود دول أخرى إلى القمة.
ومع صعوبة توقع نتائج الحرب التي يمكن أن تحصل نتيجة هذه الأزمة، إلا أننا إذا نظرنا إلى أحداث سابقة، لاسيما إلى ما حصل في الحربين العالميتين، يمكن حصر هذه النتائج كالتالي:
1ـ خسائر هائلة في الأرواح، وهجرة عدد كبير من الناس من ديارهم ومدنهم بسبب الخراب الذي قد يصيبها، وتشريد الالاف.
2ـ تدمير مدن وحتى دول باكملها.
3ـ زوال عدة أنظمة في المنطقة.
4ـ ظهور نظام عالمي جديد.
5ـ انتشار الفوضى والاضطرابات في بعض الدول.
6ـ تقسيم بعض الدول إلى دويلات.
7ـ حدوث تغيير في الخارطة السياسية للعالم.
8ـ انتشار الأمراض والآفات الاجتماعية بشكل لم يسبق له مثيل.
ما تقدم ليس بنذير شؤم، ولا ناتج عن نظرة تشاؤمية، إنما توقع ما لا نريده كي لا نصل له، وما يجعلنا نتحدث عن ذلك، هو ما نراه واضحاً أمامنا، من تعقدات وأزمات في ظل حرب باردة جديدة دائرة، بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين من جهة لتزعم النظام العالمي الجديد، وبين الدول العربية أنفسها التي دائماً ما تظهر بمظهر المكر والبغضاء والعداء لبعضها، ويتم استخدامها بسهولة من قبل دول غربية تستغلها لتحقيق مصالحها.
ويمكن القول أن الأوضاع في سورية لم تحسم حتى الان، ونأمل حصول حسم من قبل الجيش السوري للتخلص من الإرهابيين، علنا نتحدث بلهجة أخرى، لأن أحد أسباب الحرب هو تفريخ الإرهابيين، وتماديهم بالتطاول على هيبة الدولة السورية. كما أنه يمكن الحديث في ظل الإستعداد للحرب عن ما نسمع عنه من مناورات تجرى، حيث بعد أن أقام الجيش العربي السوري مناورات ضخمة له، وتم الحديث عن مناورات روسية صينية إيرانية سورية مشتركة قد تحصل في وقت قريب، نرى أن الأتراك يحشدون قواتهم على الحدود السورية، وتجري مناورات عسكرية على الحدود مع سورية لفحص جاهزية وقدرات دبابته على المناورة ومدى فاعليتها. في خطوات واضحة نحو الإستعداد للحرب، لكن السؤال الذي يبقى هل أن هذه الحرب ستقع فعلاً، وهل أن الأطراف يحسبون تداعياتها الخطيرة على المنطقة؟.